» وفي الشهور الأولى التي تلت الإفراج عني، بدأت تؤرقني مجموعة من الأسئلة وتقض مضجعي كلما طرحت نفسها علـي بإلحاح: هل لا زلت إنسانا اجتماعيا يٌعاشِر ويُـعَاشر؟ هل لا زلت قادرا على إنشاء بيت للعيش تحت سقفه مع امرأة ما؟ امرأة تقبلني كما أنا ولا تنزعج من طبعي وماضي؟ هل أنا قادر على تربية طفل تربية حسنة؟ وقبل هذا وذاك، هل لا زلت قادرا على العمل لكي أضمن لقمة عيشي بالرغم من هذا العبء الثقيل الذي أحمله على كتفي؟ عبء أربعين خريفا من وجودي في هذا الزمان الذي قضيت قرابة نصفه في ظل الزنازين الرطبة الموبوءة؟

(...) إذا كنت اليوم أرفض كل فكرة وكل إحساس بالانتقام، وهو بالتالي ما لم أشعر به في حياتي أبدا، فإنه لا يمكن لي بالمقابل أن أقول بأن ما تعرضت له مع رفاقي، وما تعرضت له المجموعات المعارضة الأخرى، لم يكن إلا شيئا هينا بسيطا.

نعم، لم تكن تلك المحنة مجرد خدشة عابرة قد تلتئم وتنسى مع مرور الأيام، وإنما كانت بشاعة مفرطة تجاوزت كل النهى وكل الحدود...

لقد بالغت الدولة في تضخيم «الخطر» الذي كنا نمثله، فنشرت ترسانة قمعية رهيبة، وأحكمت بها قبضتها على البلاد والعباد بعدما عمدت إلى شل باقي القوى السياسية. وقد نجحت في ذلك أيما نجاح، ولكن على حساب ماذا؟ على حساب تقوية المد الأصولي المتطرف، وفتح ملفات سنوات الرصاص التي تسعى اليوم جاهدة إلى التخلص منها بأي ثمن.

وبشيء من السذاجة، يحلو لي أن أتساءل في بعض المرات:

— أي مصير كان سيكون لفرنسا لو أن يمينها قام عبثا باعتقال «الهويتار الستون» وعذبهم وحكم عليهم بأجيال من السجن؟«